الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3*11_ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلًا. إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا. وَقَوْلُهُ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ، عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَشَأَ: قَامَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وِطَاءً قَالَ: مُوَاطَأَةَ الْقُرْآنِ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ. لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا. (3/22) الشرح: قوله: (باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل من نومه، وما نسخ من قيام الليل، وقوله تعالى: يا أيها المزمل قم الليل) كأنه يشير إلى ما أخرجه مسلم، من طريق سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: " إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة - يعني: يا أيها المزمل - فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعاً بعد فرضيته " واستغنى البخاري عن إيراد هذا الحديث - لكونه على غير شرطه - بما أخرجه عن أنس، فإن فيه " ولا تشاء أن تراه من الليل نائما إلا رأيته " فإنه يدل على أنه كان ربما نام كل الليل وهذا سبيل التطوع، فلو استمر الوجوب لما أخل بالقيام وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة. وقد روى محمد بن نصر، في قيام الليل من طريق سماك الحنفي، عن ابن عباس، شاهدا لحديث عائشة، في أن الإيجاب والنسخ سنة، وكذا أخرجه عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة وقتادة بأسانيد صحيحة عنهم، ومقتضى ذلك أن النسخ وقع بمكة لأن الإيجاب متقدم على فرض الخمس ليلة الإسراء وكانت قبل الهجرة بأكثر من سنة على الصحيح، وحكى الشافعي عن بعض أهل العلم أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل إلا ما تيسر منه لقوله: واستشكل محمد بن نصر ذلك كما تقدم ذكره والتعقب عليه في أول كتاب الصلاة، وتضمن كلامه أن الآية التي نسخت الوجوب مدنية، وهو مخالف لما عليه الأكثر من أن السورة كلها مكية. نعم ذكر أبو جعفر النحاس أنها مكية إلا الآية الأخيرة، وقوى محمد بن نصر هذا القول بما أخرجه من حديث جابر أن نسخ قيام الليل وقع لما توجهوا مع أبي عبيدة في جيش الخبط، وكان ذلك بعد الهجرة. لكن في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وأما ما رواه الطبري، من طريق محمد بن طحلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: " احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيراً " فذكر الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه قبل خمسة أبواب وفيه: " اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن خير العمل أدومه وإن قل " ونزلت عليه قوله: قوله: وروى ابن أبي حاتم، من طريق وهب بن منبه، قال: القليل ما دون المعشار والسدس، وفيه نظر لما سيأتي. قوله: (نصفه) يحتمل أن يكون بدلا من " قليلا " فكأن في الآية تخييرا بين قيام النصف بتمامه أو قيام أنقص منه أو أزيد، ويحتمل أن يكون قوله " نصفه " بدلا من الليل و " إلا قليلا " استثناء من النصف حكاه الزمخشري، وبالأول جزم الطبري، وأسند ابن أبي حاتم، معناه عن عطاء الخراساني. قوله: قوله: (قولا ثقيلا) أي: القرآن. وعن الحسن " العمل به " أخرجه ابن أبي حاتم. وأخرج أيضا من طريق أخرى عنه قال " ثقيلا في الميزان يوم القيامة " وتأوله غيره على ثقل الوحي حين ينزل كما تقدم في بدء الوحي. قوله: (إن ناشئة الليل.قال ابن عباس: نشأ: قام بالحبشية) يعني: فيكون معنى قوله تعالى " ناشئة الليل " أي: قيام الليل، وهذا التعليق وصله عبد بن حميد، بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عنه قال: إن ناشئة الليل هو كلام الحبشة، نشأ قام. وأخرج عن أبي ميسرة وأبي مالك نحوه، ووصله ابن أبي حاتم، من طريق أبي ميسرة، عن ابن مسعود، أيضا. وذهب الجمهور إلى أنه ليس في القرآن شيء بغير العربية وقالوا: ما ورد من ذلك فهو من توافق اللغتين، وعلى هذا فناشئة الليل مصدر بوزن فاعلة من نشأ إذا قام، أو اسم فاعل أي: النفس الناشئة بالليل أي: التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي: تنهض، وحكى أبو عبيد في " الغريبين " أن كل ما حدث بالليل وبدأ فهو ناشئ وقد نشأ. وفي " المجاز " لأبي عبيدة: ناشئة الليل آناء الليل ناشئة بعد ناشئة، قال ابن التين: والمعنى: أن الساعات الناشئة من الليل - أي: المقبلة بعضها في أثر بعض - هي أشد. قوله: (وطاء قال: مواطأة للقرآن، اشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه) وهذا وصله عبد بن حميد، من طريق مجاهد، قال أشد وطاء أي: يوافق سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضا، قال الطبري: هذه القراءة على أنه مصدر من قولك واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء، قال: وقرأ الأكثر وطئا بفتح الواو وسكون الطاء، ثم حكي عن العرب وطئنا الليل وطئا أي: سرنا فيه، وروي من طريق قتادة، (أشد وطئا) أثبت في الخير (وأقوم قيلا) أبلغ في الحفظ. وقال الأخفش: " أشد وطئا أي قياما " وأصل الوطء في اللغة الثقل كما في الحديث " اشدد وطأتك على مضر". قوله: (ليواطئوا ليوافقوا) هذه الكلمة من تفسير براءة وإنما أوردها هنا تأييدا للتفسير الأول، وقد وصله الطبري، عن ابن عباس لكن بلفظ " ليشابهوا". قوله: (سبحا طويلا) أي: فراغا، وصله ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وغيرهم، وعن السدي، سبحا طويلا أي: تطوعا كثيرا كأنه جعله من السبحة وهي: النافلة. الحديث: -1141-حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا. وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنْ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ. تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ. الشرح: قوله: (حدثني محمد بن جعفر) أي: ابن أبي كثير المدني، وحميد: هو الطويل. قوله: (أن لا يصوم منه) زاد أبو ذر والأصيلي " شيئا". قوله: (وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلخ) أي: إن صلاته ونومه كان يختلف بالليل ولا يرتب وقتا معينا بل بحسب ما تيسر له القيام. ولا يعارضه قول عائشة " كان إذا سمع الصارخ قام " فإن عائشة تخبر عما لها عليه اطلاع، وذلك أن صلاة الليل كانت تقع منه غالبا في البيت، فخبر أنس محمول على ما وراء ذلك. وقد مضى في حديثها في أبواب الوتر " من كل الليل قد أوتر " فدل على أنه لم يكن يخص الوتر بوقت بعينه. قوله: (تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر عن حميد) كذا ثبتت الواو في جميع الروايات التي اتصلت لنا، فعلى هذا يحتمل أن يكون سليمان هو: ابن بلال كما جزم به خلف، ويحتمل أن تكون الواو زائدة من الناسخ فإن أبا خالد الأحمر اسمه: سليمان، وحديثه في هذا سيأتي موصولا في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى.(3/24) *3*12_ الشرح: قوله: (باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل) قال ابن التين وغيره: قوله: " إذا لم يصل " مخالف لظاهر حديث الباب، لأنه دال على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصل، لكن من صلى بعد ذلك تنحل عقده بخلاف من لم يصل. وأجاب ابن رشيد: بأن مراد البخاري باب بقاء عقد الشيطان إلخ وعلى هذا فيجوز أن يقرأ قوله عقد بلفظ الفعل وبلفظ الجمع، ثم رأيت الإيراد بعينه للمازري ثم قال: وقد يعتذر عنه بأنه إنما قصد من يستدام العقد على رأسه بترك الصلاة، وكأنه قدر من انحلت عقده كأن لم تعقد عليه انتهى. ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء فيكون التقدير إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف من صلاها ولا سيما في الجماعة، وكأن هذا هو السر في إيراده لحديث سمرة عقب هذا الحديث لأنه قال فيه " وينام عن الصلاة المكتوبة " ولا يعكر على هذا كونه أورد هذه الترجمة في تضاعيف صلاة الليل لأنه يمكن أن يجاب عنه بأنه أراد دفع توهم من يحمل الحديثين على صلاة الليل، لأنه ورد في بعض طرق حديث سمرة مطلقا غير مقيد بالمكتوبة، والوعيد علامة الوجوب، وكأنه أشار إلى خطأ من احتج به على وجوب صلاة الليل حملا للمطلق على المقيد. ثم وجدت معنى هذا الاحتمال للشيخ ولي الدين الملوي وقواه بما ذكرته من حديث سمرة، فحمدت الله على التوفيق لذلك. ويقويه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم " أن من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة " لأن مسمى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه، فحينئذ يصدق على من صلى العشاء في جماعة أنه قام الليل، والعقد المذكورة تنحل بقيام الليل فصار من صلى العشاء في جماعة كمن قام الليل في حل عقد الشيطان. وخفيت المناسبة على الإسماعيلي فقال: ورفض القرآن ليس هو ترك الصلاة بالليل. ويتعجب من إغفاله آخر الحديث حيث قال فيه " وينام عن الصلاة المكتوبة " والله أعلم. الحديث: -1142-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ. الشرح: قوله: (الشيطان) كأن المراد به: الجنس، وفاعل ذلك هو: القرين أو غيره، ويحتمل أن يراد به: رأس الشياطين وهو: إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه، ولذلك أورده المصنف في " باب صفة إبليس " من بدء الخلق. قوله: (قافية رأس أحدكم) أي: مؤخر عنقه. وقافية كل شيء: مؤخره ومنه قافية القصيدة، وفي النهاية: القافية القفا، وقيل: مؤخر الرأس، وقيل: وسطه.(3/25) وظاهر قوله " أحدكم " التعميم في المخاطبين ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من تقدم ذكره، ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان كالأنبياء، ومن تناوله قوله: قوله: (إذا هو نام) كذا للأكثر، وللحموي والمستملي " إذا هو نائم " بوزن فاعل، والأول أصوب وهو الذي في الموطأ. قوله: (يضرب على مكان كل عقدة) كـذا للمستملي، ولبعضهم بحذف " على " وللكشميهني بلفظ " عند مكان". وقوله "يضرب " أي: بيده على العقدة تأكيدا وإحكاما لها قائلا ذلك، وقيل: معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى قوله: (عليك ليل طويل) كذا في جميع الطرق، عن البخاري بالرفع، ووقع في رواية أبي مصعب، في الموطأ عن مالك، " عليك ليلا طويلا " وهي رواية ابن عيينة، عن أبي الزناد، عند مسلم، قال عياض: رواية الأكثر عن مسلم، بالنصب على الإغراء، ومن رفع فعلى الابتداء، أي باق عليك، أو بإضمار فعل أي بقي. وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى لأنه الأمكن في الغرور من حيث أنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله " فارقد " وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذ يكون قوله " فارقد " ضائعا، ومقصود الشيطان بذلك: تسويفه بالقيام والإلباس عليه. وقد اختلف في هذه العقد فقيل: هو: على الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره، وأكثر من يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة وتتكلم عليه بالسحر فيتأثر المسحور عند ذلك، ومنه قوله تعالى والجرير بفتح الجيم هو: الحبل، وفهم بعضهم من هذا أن العقد لازمة، ويرده التصريح بأنها تنحل بالصلاة فيلزم إعادة عقدها فأبهم فاعله في حديث جابر، وفسر في حديث غيره. وقيل هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان للنائم. وقيل المراد به: عقد القلب وتصميمه على الشيء كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليلة قطعة طويلة فيتأخر عن القيام. وانحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به. وقيل: العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور، ومنه عقدت فلانا عن امرأته أي منعته عنها، أو عن تثقيله عليه النوم كأنه قد شد عليه شداداً. وقال بعضهم:المراد بالعقد الثلاث: الأكل والشرب والنوم، لأن من أكثر الأكل والشرب كثر نومه.واستبعده المحب الطبري لأن الحديث يقتضي أن العقد تقع عند النوم فهي غيره. (3/26) قال القرطبي: الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة إلا وقد ذهب الليل. وقال البيضاوي: التقييد بالثلاث إما للتأكيد، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء: الذكر والوضوء والصلاة، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه وكأن تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته. وفي كلام الشيخ الملوي: أن العقد يقع على خزانة الإلهيات من الحافظة وهي: الكنز المحصل من القوى، ومنها يتناول القلب ما يريد التذكر به. قوله: (انحل عقده) بلفظ الجمع بغير اختلاف في البخاري، ووقع لبعض رواة الموطأ بالإفراد، ويؤيده رواية أحمد المشار إليها قيل فإن فيها " فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة، وإن قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة " وكأنه محمول على الغالب وهو: من ينام مضطجعا فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه فيكون لكل فعل عقدة يحلها، ويؤيد الأول ما سيأتي في بدء الخلق من وجه آخر بلفظ " عقده كلها " ولمسلم، من رواية ابن عيينة، عن أبي الزناد، " انحلت العقد " وظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة، وهو كذلك في حق من لم يحتج إلى الطهارة كمن نام متمكنا مثلا ًثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر، فإن الصلاة تجزئة في حل العقد كلها لأنها تستلزم الطهارة وتتضمن الذكر، وعلى هذا فيكون معنى قوله " فإذا صلى انحلت عقده كلها " إن كان المراد به من لا يحتاج إلى الوضوء فظاهر على ما قررناه، وإن كان من يحتاج إليه فالمعنى انحلت بكل عقدة أو انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة التي بها يتم انحلال العقد. وفي رواية أحمد المذكورة قبل " فإن قام فذكر الله انحلت واحدة، فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة " وهذا محمول على الغالب وهو: من ينام مضطجعا فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه فيكون لكل فعل عقدة يحلها. قوله: (طيب النفس) أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب، وبما زال عنه من عقد الشيطان. كذا قيل، والذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا) وقد استنبط بعضهم منه أن: من فعل ذلك مرة ثم عاد إلى النوم لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكور ثانيا، واسـتثنى بعضهم - ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي - من لم ينهه ذلك عن الفحشاء بل يفعل ذلك من غير أن يقلع، والذي يظهر فيه التفصيل بين من يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع وبين المصر. قوله: (وإلا أصبح خبيث النفس) أي: بتركه ما كان اعتاده أو أراده من فعل الخير، كذا قيل، وقد تقدم ما فيه. و قوله: (كسلان) غير مصروف للوصف ولزيادة الألف والنون، ومقتضى قوله " وإلا أصبح " أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثا كسلان، وإن أتى ببعضها وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلا. وروينا في الجزء الثالث من الأول من حديث المخلص في حديث أبي سعيد الذي تقدمت الإشارة إليه " فإن قام فصلى انحلت العقد كلهن، وإن استيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيئتها " وقال ابن عبد البر: هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة.(3/27) وقال أيضا: زعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي " وليس كذلك لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه كراهة لتلك الكلمة، وهذا الحديث وقع ذما لفعله، ولكل من الحديثين وجه. وقال الباجي: ليس بين الحديثين اختلاف، لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس - لكون الخبث بمعنى فساد الدين - ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرا منها وتنفيرا. قلت: تقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضافة ذلك إلى النفس فكل ما نهى المؤمن أن يضيفه إلى نفسه نهى أن يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وصف صلى الله عليه وسلم هذا المرء بهذه الصفة فيلزم جواز وصفنا له بذلك لمحل التأسي، ويحصل الانفصال فيما يظهر بأن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك كالتنفير والتحذير. (تنبيهات) : الأول: ذكر الليل في قوله " عليك ليل " ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل، وهو كذلك، لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار كالنوم حالة الإبراد مثلا ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة. ثانيها: ادعى ابن العربي أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب صلاة الليل لقوله " يعقد الشيطان " وفيه نظر، فقد صرح البخاري في خامس ترجمة من أبواب التهجد بخلافه حيث قال " من غير إيجاب " وأيضا فما تقدم تقريره من أنه حمل الصلاة هنا على المكتوبة يدفع ما قاله ابن العربي أيضا، ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه، ونقله غيره عن الحسن وابن سيرين، والذي وجدناه عن الحسن، ما أخرجه محمد بن نصر، وغيره عنه أنه قيل له: ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به إنما يصلي المكتوبة؟ فقال: أمن الله هذا، إنما يتوسد القرآن. فقيل له: قال الله تعالى وكان هذا هو مستند من نقل عن الحسن الوجوب. ونقل الترمذي، عن إسحاق بن راهويه، أنه قال: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن، وهذا يخصص ما نقل عن الحسن، وهو أقرب، وليس فيه تصريح بالوجوب أيضا. ثالثها: وقد يظن أن بين هذا الحديث والحديث الآتي في الوكالة من حديث أبي هريرة الذي فيه " أن قارئ آية الكرسي عند نومه لا يقربه الشيطان " معارضة، وليس كذلك، لأن العقد إنما حمل على الأمر المعنوي والقرب على الأمر الحسي وكذا العكس فلا إشكال، إذ لا يلزم من سحره إياه مثلا أن يماسه، كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذى في جسده ونحو ذلك. وإن حملا على المعنويين أو العكس فيجاب بإدعاء الخصوص في عموم أحدهما. والأقرب أن المخصوص حديث الباب كما تقدم تخصيصه عن ابن عبد البر بمن لم ينو القيام، فكذا يمكن أن يقال يختص بمن لم يقرأ آية الكرسي لطرد الشيطان والله أعلم. رابعها: ذكر شيخنا الحافظ: أبو الفضل بن الحسين في " شرح الترمذي " أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين: المبادرة إلى حل عقد الشيطان، وبناه على أن الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة، وهو واضح، لأنه لو شرع في صلاة ثم أفسدها لم يساو من أتمها، وكذا الوضوء. وكأن الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة وينتهي بانتهائها.وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم من حديث أبي هريرة فاندفع إيراد من أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما وردتا من فعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم من حديث عائشة، وهو منزه عن عقد الشيطان، حتى ولو لم يرد الأمر بذلك لأمكن أن يقال: يحمل فعله ذلك على تعليم أمته وإرشادهم إلى ما يحفظهم من الشيطان. وقد وقع عند ابن خزيمة، من وجه آخر عن أبي هريرة، في آخر الحديث " فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين". (3/28) خامسها: إنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب، وإلا فالجنب لا يحل عقدته إلا الاغتسال، وهل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك؟ محل بحث.والذي يظهر إجزاؤه، ولا شك أن في معاناة الوضوء عونا كبيرا على طرد النوم لا يظهر مثله في التيمم. سادسها: لا يتعين للذكر شيء مخصوص لا يجزئ غيره، بل كل ما صدق عليه ذكر الله أجزأ، ويدخل في تلاوة القرآن وقراءة الحديث النبوي والاشتغال بالعلم الشرعي، وأولى ما يذكر به ما سيأتي بعد ثمانية أبواب في " باب فضل من تعار من الليل " ويؤيده ما عند ابن خزيمة، من الطريق المذكورة " فإن تعار من الليل فذكر الله". الحديث: -1143-حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الرُّؤْيَا قَالَ: أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. الشرح: قوله: (حدثنا عوف) هو: الأعرابي (وأبو رجاء) هو: العطاردي، والإسناد كله بصريون، وسيأتي حديث سمرة مطولا في أواخر كتاب الجنائز. وقوله هنا (عن الصلاة المكتوبة) الظاهر أن المراد بها العشاء الآخرة وهو اللائق بما تقدم من مناسبة الحديث الذي قبله. وقوله: (يثلغ) مثلثة ساكنة ولام مفتوحة بعدها معجمة أي: يشق أو يخدش. وقوله: (فيرفضه) بكسر الفاء وضمها. *3*13_ الشرح: قوله: (باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه) هذه الترجمة للمستملي وحده. وللباقين " باب " فقط، وهو بمنزلة الفصل من الباب، وتعلقه بالذي قبله ظاهر لما سنوضحه. الحديث: -1144-حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ. الشرح: قوله: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل) لم أقف على اسمه، لكن أخرج سعيد بن منصور، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن ابن مسعود، ما يؤخذ منه أنه هو، ولفظه بعد سياق الحديث بنحوه " وأيم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة " يعني نفسه. قوله: (فقيل ما زال نائماً حتى أصبح) في رواية جرير، عن منصور، في بدء الخلق " رجل نام ليلة حتى أصبح". قوله: (ما قام إلى الصلاة) المراد الجنس، ويحتمل العهد، ويراد به صلاة الليل أو المكتوبة. ويؤيده رواية سفيان هذا عندنا " نام عن الفريضة " أخرجه ابن حبان في صحيحه. وبهذا يتبين مناسبة الحديث لما قبله. وفي حديث أبي سعيد الذي قدمت ذكره من فوائد المخلص " أصبحت العقد كلها كهيئتها وبال الشيطان في أذنه " فيستفاد منه وقت بول الشيطان، ومناسبة هذا الحديث للذي قبله. قوله: (في أذنه) في رواية جرير " في أذنيه " بالتثنية. واختلف في بول الشيطان، فقيل: هو على حقيقته. قال القرطبي وغيره: لا مانع من ذلك إذ لا إحالة فيه لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح فلا مانع من أن يبول. وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجب سمعه عن الذكر. وقيل: هو كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه. وقيل: هو مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم كمن وقع البول في أذنه فثقل أذنه وأفسد حسه، والعرب تكني عن الفساد بالبول قال الراجز: بال سهيل في الفضيخ ففسد. وكنى بذلك عن طلوعه لأنه وقت إفساد الفضيخ فعبر عنه بالبول. ووقع في رواية الحسن، عن أبي هريرة، في هذا الحديث عند أحمد، " قال الحسن إن بوله والله لثقيل " وروى محمد بن نصر، من طريق قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود، " حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه " وهو موقوف صحيح الإسناد. وقال الطيبي: خص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه. وخص البول لأنه أسهل مدخلا في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء. *3*14_ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الشرح: قوله: (باب الدعاء والصلاة من آخر الليل) في رواية أبي ذر " الدعاء في الصلاة". قوله: (وقال الله عز وجل) في رواية الأصيلي " وقول الله". قوله: (ما يهجعون) زاد الأصيلي " أي ينامون " وقد ذكر الطبري وغيره الخلاف عن أهل التفسير في ذلك، فنقل ذلك عن، الحسن والأحنف وإبراهيم النخعي وغيرهم، ونقل عن قتادة ومجاهد وغيرهما، أن معناه كانوا لا ينامون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون. ومن طريق المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: معناه لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئا. ثم ذكر أقوالا أخر ورجح الأول لأن الله تعالى وصفهم بذلك مادحا لهم بكثرة العمل. قال ابن التين: وعلى هذا تكون " ما " زائدة أو مصدرية، وهو أبين الأقوال وأقعدها بكلام أهل اللغة، وعلى الآخر تكون " ما " نافية. وقال الخليل: هجع يهجع هجوعا وهو النوم بالليل دون النهار. ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة، في النزول من طريق الأغر أبي عبد الله، وأبي سلمة، جميعا عن أبي هريرة. وقد اختلف فيه على الزهري، فرواه عنه مالك، وحفاظ أصحابه كما هنا، واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين. وقال بعض أصحاب مالك عنه: عن، سعيد بن المسيب، بدلهما. ورواه أبو داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، فقال الأعرج بدل الأغر فصحفه. وقيل: عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، بدل أبي سلمة، قال الدارقطني: وهو وهم، والأغر المذكور لقب واسمه: سلمان ويكنى أبا عبد الله وهو مدني، ولهم راو آخر يقال له الأغر أيضا لكنه اسمه وكنيته أبو مسلم، وهو كوفي. وقد جاء هذا الحديث من طريقه أيضا أخرجه مسلم، من رواية أبي إسحاق السبيعي، عنه، عن أبي هريرة وأبي سعيد، جميعا مرفوعا، وغلط من جعلهما واحدا. ورواه عن أبي هريرة، أيضا سعيد بن مرجانة وأبو صالح، عند مسلم وسعيد المقبري وعطاء مولى أم صبية بالمهملة مصغرا وأبو جعفر المدني ونافع بن جبير بن مطعم كلهم، عند النسائي. وفي الباب عن علي وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن عبسة، عند أحمد، وعن جبير بن مطعم ورفاعة الجهني، عند النسائي، وعن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأبي الخطاب غير منسوب، عند الطبراني، وعن عقبة بن عامر وجابر وجد عبد الحميد بن سلمة، عند الدارقطني في " كتاب السنة"، وسأذكر ما في رواياتهم من فائدة زائدة.(3/30) الحديث: -1145-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ. الشرح: قوله: (عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة) في رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، " أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة، أن أبا هريرة أخبرهما". قوله: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا) استدل به من أثبت الجهة وقال: هي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك. وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم. ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة، والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك وأنكروا ما في الحديث إما جهلا وإما عنادا. ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق الإجمال منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي، وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم. ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب. ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف، ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبا مستعملا في كلام العرب وبين ما يكون بعيدا مهجورا فأول في بعض وفوض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد. قال البيهقي: وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه، ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم. وسيأتي مزيد بسط في ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. وقال ابن العربي: حكي عن المبتدعة رد هذه الأحاديث، وعن السلف إمرارها، وعن قوم تأويلها وبه أقول. فأما قوله ينزل فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره ونهيه، والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني، فإن حملته في الحديث على الحسي قتلك صفة الملك المبعوث بذلك، وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة، فهي عربية صحيحة انتهى. والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا، ويقويه ما رواه النسائي، من طريق الأغر، عن أبي هريرة وأبي سعيد، بلفظ " إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل، ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع فيستجاب له " الحديث. وفي حديث عثمان بن أبي العاص " ينادي مناد هل من داع يستجاب له " الحديث. قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال، ولا يعكر عليه ما في رواية رفاعة الجهني " ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا يسأل عن عبادي غيري " لأنه ليس في ذلك ما يدفع التأويل المذكور.(3/31) وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة. قوله: (حين يبقى ثلث الليل الآخر) برفع الآخر لأنه صفة الثلث، ولم تختلف الروايات عن الزهري في تعيين الوقت، واختلفت الروايات عن أبي هريرة وغيره، قال الترمذي: رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك، ويقوي ذلك أن الروايات المخالفة اختلف فيها على رواتها، وسلك بعضهم طريق الجمع وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء: أولها: هذه. ثانيها: إذا مضى الثلث الأول. ثالثها: الثلث الأول أو النصف. رابعها: النصف. خامسها: النصف أو الثلث الأخير. سادسها: الإطلاق. فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة، وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه، وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني. وقيل: يحمل على أن ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار، ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به، ثم أعلم به في وقت آخر فأخبر به، فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم. قوله: (من يدعوني إلخ) لم تختلف الروايات على الزهري في الاقتصار على الثلاثة المذكورة وهي الدعاء والسؤال والاستغفار، والفرق بين الثلاثة أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسار، وذلك إما ديني وإما دنيوي، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، والسؤال إشارة إلى الثاني، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث. وقال الكرماني: يحتمل أن يقال الدعاء ما لا طلب فيه نحو يا الله، والسؤال الطلب، وأن يقال المقصود واحد وإن اختلف اللفظ انتهى. وزاد سعيد، عن أبي هريرة " هل من تائب فأتوب عليه " وزاد أبو جعفر، عنه، " من ذا الذي يسترزقني فأرزقه، من ذا الذي يستكشف الضر فأكشف عنه " وزاد عطاء مولى أم صبية، عنه " ألا سقيم يستشفي فيشفى " ومعانيها داخلة فيما تقدم. وزاد سعيد بن مرجانة، عنه، " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " وفيه تحريض على عمل الطاعة، وإشارة إلى جزيل الثواب عليها. وزاد حجاج بن أبي منيع، عن جده، عن الزهري، عند الدارقطني، في آخر الحديث " حتى الفجر " وفي رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عند مسلم، " حتى ينفجر الفجر " وفي رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة"، ، حتى يطلع الفجر " وكذا اتفق معظم الرواة على ذلك، إلا أن في رواية نافع بن جبير، عن أبي هريرة، عند النسائي، " حتى ترجل الشمس " وهي شاذة. وزاد يونس، في روايته عن الزهري، في آخره أيضا " ولذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله " أخرجها الدارقطني أيضا. وله من رواية ابن سمعان، عن الزهري، ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهري. وبهذه الزيادة تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة ومناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه. قوله: (فأستجيب) بالنصب على جواب الاستفهام وبالرفع على الاستئناف، وكذا قوله (فأعطيه، واغفر له) وقد قرئ بهما في قوله تعالى وليست السين في قوله تعالى " فأستجيب " للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب، وفي حديث الباب من الفوائد: تفضيل صلاة آخر الليل على أوله. وتفضيل تأخير الوتر لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه. (3/32) وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار، ويشهد له قوله تعالى (والمستغفرين بالأسحار) . وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله. *3*15_ وَقَالَ سَلْمَانُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: قُمْ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ. الشرح: قوله: (باب من نام أول الليل وأحيا آخره) تقدم في الذي قبله ذكر مناسبته. قوله: (وقال سلمان) أي الفارسي (لأبي الدرداء نم إلخ) هو مختصر من حديث طويل أورده المصنف في كتاب الأدب من حديث أبي جحيفة قال " آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء " فذكر القصة وفي آخرها فقال " إن لنفسك عليك حقا " الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم "صدق سلمان " أي في جميع ما ذكر، وفيه منقبة ظاهرة لسلمان. الحديث: -1146-حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ح - و حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، -عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلَّا تَوَضَّأَ وَخَرَجَ. الشرح: قوله: (حدثنا أبو الوليد) في رواية أبي ذر " قال أبو الوليد " وقد وصله الإسماعيلي، عن أبي خليفة، عن أبي الوليد، وتبين من سياقه أن البخاري ساق الحديث على لفظ سليمان، وهو ابن حرب. وفي رواية أبي خليفة " فإذا كان من السحر أوتر " وزاد فيه " فإن كانت له حاجة إلى أهله " وقال فيه " فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء وإلا توضأ " وبمعناه أخرجه مسلم، من طريق زهير، عن أبي إسحاق. قال الإسماعيلي: هذا الحديث يغلط في معناه الأسود، والأخبار الجياد فيها " كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ". قلت: لم يرد الإسماعيلي بهذا أن حديث الباب غلط، وإنما أشار إلى أن أبا إسحاق حدث به عن الأسود بلفظ آخر غلط فيه، والذي أنكره الحفاظ على أبي إسحاق في هذا الحديث هو ما رواه الثوري عنه بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء " قال الترمذي: يرون هذا غلطا من أبي إسحاق، وكذا قال مسلم في التمييز. وقال أبو داود: في رواية أبي الحسن بن العبد، عنه: ليس بصحيح. ثم روي عن يزيد بن هارون، أنه قال: هو وهم. انتهى. وأظن أبا إسحاق اختصره من حديث الباب هذا الذي رواه عنه، شعبة وزهير، لكن لا يلزم من قولها " فإذا كان جنبا أفاض عليه الماء " أن لا يكون توضأ قبل أن ينام كما دلت عليه الأخبار الأخر فمن ثم غلطوه في ذلك، ويستفاد من الحديث أنه كان ربما نام جنبا قبل أن يغتسل والله أعلم. وقد تقدم باقي الكلام على حديث عائشة قريبا. وقوله فيه " فإن كانت به حاجة اغتسل " يعكر عليه ما في رواية مسلم " أفاض عليه الماء " وما قالت اغتسل، ويجاب بأن بعض الرواة ذكره بالمعنى، وحافظ بعضهم على اللفظ، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره) سقط قوله " بالليل " من نسخة الصنعاني. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي الشرح: حديث أبي سلمة أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد تقدمت الإشارة إليه في " باب كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل " وفي الحديث دلالة على أن صلاته كانت متساوية في جميع السنة، وفيه كراهة النوم قبل الوتر لاستفهام عائشة عن ذلك كأنه تقرر عندها منع ذلك فأجابها بأنه صلى الله عليه وسلم ليس في ذلك كغيره، وسيأتي هذا الحديث من هذه الطريق في أواخر الصيام أيضا، ونذكر فيه إن شاء الله تعالى ما بقي من فوائده. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ الشرح: قوله: (عن هشام) هو ابن عروة. قوله: (حتى إذا كبر) بينت حفصة أن ذلك كان قبل موته بعام، وقد تقدم بيان ذلك مع كثير من فوائده في آخر باب من أبواب التقصير. قوله: (فإذا بقي عليه من السورة ثلاثين أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه رد على من اشترط على من افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا، أو قائما أن يركع قائما، وهو محكي عن أشهب وبعض الحنفية. والحجة فيه ما رواه مسلم وغيره من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في سؤاله لها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه " كان إذا قرأ قائما ركع قائما، وإذا قرأ قاعدا ركع قاعدا " وهذا صحيح، ولكن لا يلزم منه منع ما رواه عروة عنها، فيجمع بينهما بأنه كان يفعل كلا من ذلك بحسب النشاط وعدمه. والله أعلم. وقد أنكر هشام بن عروة على عبد الله بن شقيق هذه الرواية واحتج بما رواه عن أبيه، أخرج ذلك ابن خزيمة في صحيحه ثم قال: ولا مخالفة عندي بين الخبرين لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما إذا قرأ جميع القراءة قاعدا أو قائما، ورواية هشام بن عروة محمولة على ما إذا قرأ بعضها جالسا وبعضها قائما. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار) كذا ثبت في رواية الكشميهني، ولغيره " بعد الوضوء " واقتصر بعضهم على الشق الثاني من الترجمة وعليه اقتصر الإسماعيلي وأكثر الشراح، والشق الأول ليس بظاهر في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كما سنذكره من حديث بريدة. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ الشرح: قوله: (عن أبي حيان) هو يحيى بن سعيد التيمي وصرح به في رواية مسلم من هذا الوجه. وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي. قوله: (قال لبلال) أي ابن رباح المؤذن، وقوله "عند صلاة الفجر " فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه كما سيأتي في كتاب التعبير بعد صلاة الفجر. قوله: (بأرجى عمل) بلفظ أفعل التفضيل المبني من المفعول، وإضافة العمل إلى الرجاء لأنه السبب الداعي إليه. قوله: (في الإسلام) زاد مسلم في روايته " منفعة عندك". قوله: (أني) بفتح الهمزة ومن مقدرة قبلها صلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم، ووقع في رواية الكشميهني " أن " بنون خفيفة بدل " أني". قوله: (فإني سمعت) زاد مسلم " الليلة " وفيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام. قوله: (دف نعليك) بفتح المهملة، وضبطها المحب الطبري بالإعجام والفاء مثقلة، وقد فسره المصنف في رواية كريمة بالتحريك. وقال الخليل: دف الطائر إذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه. وقال الحميدي: الدف الحركة الخفيفة والسير اللين. ووقع في رواية مسلم " خشف " بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الفاء، قال أبو عبيد وغيره: الخشف الحركة الخفيفة. ويؤيده ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر " سمعت خشفة " ووقع في حديث بريدة عند أحمد والترمذي وغيرهما " خشخشة " بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركة أيضا. قوله: (طهورا) زاد مسلم تاما، والذي يظهر أنه لا مفهوم لها، ويحتمل أن يخرج بذلك الوضوء اللغوي، فقد يفعل ذلك لطرد النوم مثلا. قوله: (في ساعة ليل أو نهار) بتنوين ساعة وخفض ليل على البدل. وفي رواية مسلم " في ساعة من ليل أو نهار". قوله: (إلا صليت) زاد الإسماعيلي " لربي " قوله: (ما كتب لي) أي قدر، وهو أعم من الفريضة والنافلة. قال ابن التين: إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر، وبهذا التقرير يندفع إيراد من أورد عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحة. والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن إرجائها الأعمال المتطوع بها، وإلا فالمفروضة أفضل قطعا. ويستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة، لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن الجوزي: فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده. وقال المهلب: فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله. وفيه سؤال الصالحين عما يهديهم الله له من الأعمال الصالحة ليقتدي بها غيرهم في ذلك وفيه أيضا سؤال الشيخ عن عمل تلميذه ليحضه عليه ويرغبه فيه إن كان حسنا، وإلا فينهاه. واستدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة لعموم قوله " في كل ساعة " وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي وتعقبه ابن التين بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة، أو أنه كان يؤخر الطهور إلى آخر وقت الكراهة لتقع صلاته في غير وقت الكراهة. لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بريدة في نحو هذه القصة " ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها " ولأحمد من حديثه " ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين " فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء والوضوء بالصلاة في أي وقت كان. وقال الكرماني: ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم، لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت. ويحتمل أن يكون في اليقظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج. وأما بلال فلا يلزم من هذه القصة أنه دخلها لأن قوله " في الجنة " ظرف للسماع ويكون الدف بين يديه خارجا عنها انتهى. ولا يخفى بعد هذا الاحتمال لأن السياق مشعر بإثبات فضيلة بلال لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة، وإنما ثبتت له الفضيلة بأن يكون رؤي داخل الجنة لا خارجا عنها. وقد وقع في حديث بريدة المذكور " يا بلال بم سبقتني إلى الجنة " وهذا ظاهر في كونه رآه داخل الجنة. ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا " رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة فقيل هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية فقيل هذا لعمر " الحديث، وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا " بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقيل: هذا لعمر " الحديث، فعرف أن ذلك وقع في المنام وثبتت الفضيلة بذلك لبلال لأن رؤيا الأنبياء وحي، ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. ومشيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته في اليقظة فاتفق مثله في المنام، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قيل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام التابع، وكأنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته، وفيه منقبة عظيمة لبلال. وفي الحديث استحباب إدامة الطهارة ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرا ومن بات طاهرا عرجت روحه فسجدت تحت العرش كما رواه البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والعرش سقف الجنة كما سيأتي في هذا الكتاب. وزاد بريدة في آخر حديثه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم بهذا " وظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل، ولا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل أحدكم الجنة عمله " لأن أحد الأجوبة المشهورة بالجمع بينه وبين قوله تعالى وفيه أن الجنة موجودة الآن خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة. (تنبيه) : قول الكرماني: لا يدخل أحد الجنة إلا بعد موته، مع قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة المعراج وكان المعراج في اليقظة على الصحيح ظاهرهما التناقض، ويمكن حمل النفي إن كان ثابتا على غير الأنبياء، أو يخص في الدنيا بمن خرج عن عالم الدنيا ودخل في عالم الملكوت، وهو قريب مما أجاب به السهيلي عن استعمال طست الذهب ليلة المعراج. *3* الشرح: قوله: (باب ما يكره من التشديد في العباد) قال ابن بطال: إنما يكره ذلك خشية الملال المفضي إلى ترك العبادة. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَبْلُ قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون. قوله: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم) زاد مسلم في روايته " المسجد". قوله: (بين الساريتين) أي اللتين في جانب المسجد، وكأنهما كانتا معهودتين للمخاطب، لكن في رواية مسلم " بين ساريتين " بالتنكير. قوله: (قالوا هذا حبل لزينب) جزم كثير من الشراح تبعا للخطيب في مبهماته بأنها بنت جحش أم المؤمنين، ولم أر ذلك في شيء من الطرق صريحا. ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن أن ابن أبي شيبة رواه كذلك، لكني لم أر في مسنده ومصنفه زيادة على قوله " قالوا لزينب " أخرجه عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز، وكذا أخرجه مسلم عنه وأبو نعيم في المستخرج من طريقه، وكذلك رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل، وأخرجه أبو داود عن شيخين له عن إسماعيل فقال عن أحدهما " زينب " ولم ينسبها. وقال عن آخر " حمنة بنت جحش " فهذه قرينة في كون زينب هي بنت جحش. وروى أحمد من طريق حماد عن حميد عن أنس أنها حمنة بنت جحش أيضا، فلعل نسبة الحبل إليهما باعتبار أنه ملك لإحداهما والأخرى المتعلقة به، وقد تقدم في كتاب الحيض أن بنات جحش كانت كل واحدة منهن تدعى زينب فيما قيل، فعلى هذا فالحبل لحمنة وأطلق عليها زينب باعتبار اسمها الآخر. ووقع في صحيح ابن خزيمة من طريق شعبة عن عبد العزيز " فقالوا لميمونة بنت الحارث " وهي رواية شاذة، وقيل يحتمل تعدد القصة، ووهم من فسرها بجويرية بنت الحارث فإن لتلك قصة أخرى تقدمت في أوائل الكتاب والله أعلم. وزاد مسلم " فقالوا لزينب تصلي". قوله: (فإذا فترت) بفتح المثناة أي كسلت عن القيام في الصلاة، ووقع عند مسلم بالشك " فإذا فترت أو كسلت". قوله: (فقال صلى الله عليه وسلم لا) يحتمل النفي أي لا يكون هذا الحبل أو لا يحمد، ويحتمل النهي أي لا تفعلوه، وسقطت هذه الكلمة في رواية مسلم. قوله: (نشاطه) بفتح النون أي مدة نشاطه. قوله: (فليقعد) يحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن القيام فيستدل به على جواز افتتاح الصلاة قائما والقعود في أثنائها، وقد تقدم نقل الخلاف فيه. ويحتمل أن يكون أمرا بالقعود عن الصلاة أي بترك ما كان عزم عليه من التنفل، ويمكن أن يستدل به على جواز قطع النافلة بعد الدخول فيها، وقد تقدم في " باب الوضوء من النوم " في كتاب الطهارة حديث " إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ " وهو من حديث أنس أيضا، ولعله طرف من هذه القصة. وفيه حديث عائشة أيضا " إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم " وفيه " لئلا يستغفر فيسب نفسه وهو لا يشعر " هذا أو معناه، ويجيء من الاحتمال ما تقدم في حديث الباب. وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليها بنشاط. وفيه إزالة المنكر باليد واللسان. وجواز تنفل النساء في المسجد. واستدل به على كراهة التعلق في الحبل في الصلاة، وسيأتي ما فيه في " باب استعانة اليد في الصلاة " بعد الفراغ من أبواب التطوع. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قُلْتُ فُلَانَةُ لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ فَذُكِرَ مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا الشرح: قوله: (وقال عبد الله بن مسلمة) يعني القعنبي كذا للأكثر. وفي رواية الحموي والمستملي " حدثنا عبد الله " وكذا رويناه في الموطأ رواية القعنبي، قال ابن عبد البر: تفرد القعنبي بروايته عن مالك في الموطأ دون بقية رواته فإنهم اقتصروا منه على طرف مختصر. قوله: (تذكر) للمستملي بفتح أوله بلفظ المضارع المؤنث، وللحموي بضمه على البناء للمفعول بالتذكير، وللكشميهني " فذكر " بفاء وضم المعجمة وكسر الكاف، ولكل وجه. وعلى الأول يكون ذلك قول عروة أو من دونه، وعلى الثاني والثالث يحتمل أن يكون من كلام عائشة، وهو على كل حال تفسير لقولها " لا تنام الليل " ووصفها بذلك خرج مخرج الغالب، وسئل الشافعي عن قيام جميع الليل فقال: لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح. وفي قوله صلى الله عليه وسلم في جواب ذلك " مه " إشارة إلى كراهة ذلك خشية الفتور والملال على فاعله لئلا ينقطع عن عبادة التزمها فيكون رجوعا عما بذل لربه من نفسه. وقوله "عليكم ما تطيقون من الأعمال " هو عام في الصلاة وفي غيرها. ووقع في الرواية المتقدمة في الإيمان بدون قوله " من الأعمال " فحمله الباجي وغيره على الصلاة خاصة، لأن الحديث ورد فيها، وحمله على جميع العبادات أولى. وقد تقدمت بقية فوائد حديث عائشة والكلام على قوله " إن الله لا يمل حتى تملوا " في باب " أحب الدين إلى الله أدومه " من كتاب الإيمان. ومما يلحق هنا أني وجدت بعض ما ذكر هناك من تأويل الحديث احتمالا في بعض طرق الحديث وهو قوله " إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل " أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمل، وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث والله أعلم.
|